الشيخ أرسلان الدمشقي رضي اللّه عنه وليٌّ من أكابر أولياء بلاد الشّام، عاش في القرن الخامس والسادس الهجريّ، وكان من أشجع وأنبل من حارب ضد الصليبييّن، له كتاب “التّوحيد”، وننقل لكم بعضاً من أقواله في هذا المقال.
من هو الشيخ أرسلان الدمشقي؟
ولد الشيخ أرسلان الدمشقي أبو النّجم بن يعقوب بن عبد الرّحمن عام 470 هجريّ في قلعة جعبر قرب مدينة الرّقّة السّوريّة، واشتهر باسم الشيخ أرسلان، كما اشتهر باسم الشيخ رسلان التّركماني.
كان أبوه من الأجناد المقاتلين ضدّ الفرنجة، حيث كانت جعبر من الثغور المقاومة للفرنجة، جاء إلى دمشق، وعلى الرغم من توفّر المال والمنصب لدى أبيه ولكنّه اهتمّ بالكسب الحلال وكان يعمل نشّاراً للخشب، فلم يقبل أن يكون في أرزاقه شيءٌ من صدقات النّاس أو من خزانة الدّولة، وكان يقسم أجرته أثلاثاً، الثلث للنفقة على نفسه، والثلث للكسوة، والثلث للصدقة.
ولم يُعرف عن الشيخ أرسلان في بداية حياته مشاركةٌ في الحياة العامّة واكتفى بالنّشاط الصوفي، فكان يتعبّد أولاً في مسجدٍ صغيرٍ داخل باب توما وقد حفر فيه بئراً بيده، وكان بيته طبقة صغيرة والى جانبها دكّان حياكة، وقد صحب أبا عامر المؤدّب وتتلمذ عليه في الزّهد والتّصوّف.
وخلال توسعة قام بها نور الدّين الشّهيد للمسجد انتقل الشيخ أرسلان إلى باب توما، وهناك اتّخذ لنفسه زاويةً ورباطاً عند الخيمة التي نصبها سيّدنا خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه يوم فتح الشّام، ولا شكّ أنّه بذلك كان يحدّد تماماً رسالته في التربية والجهاد، وقد ظلّ إلى وفاته في هذه الزّاوية التي عُرفت باسمه فيما بعد.
كانت بلاد الشّام في نهاية القرن السادس الهجري تشهد ظروفاً بالغة التعقيد فقد وصل الصليبيّون إلى المنطقة وأسّسوا عدداً من الممالك واستولوا على فلسطين ولم يردّهم عن دمشق إلّا صلحٌ ذليلٌ عقدوه مع والي دمشق معين الدين أنر واشترط فيه أن تكون للصليبييّن حامية مراقبة على أبواب دمشق، وبعد أن وُليَّ نور الدّين الشهيد أمر دمشق؛ قرّر المواجهة المباشرة مع الفرنجة وطرد الحامية الفرنجية من مدخل دمشق.
ولكن الدور الأهم الذي قام بها الشيخ أرسلان كان في تأسيس مقاومةٍ شعبيّةٍ حقيقيّةٍ ضدّ الفرنجة، فمع أنّه لم يدخل في خدمة السّلطان نور الدين ولم ينتسب لجيش الدولة ولكنّه أسّس في رباطه في مسجده عند سور دمشق الشرقي خلايا مقاومة على نهج السّلف، فكانوا رهبان الليل وفرسان النهار، وكانوا يطوفون لحماية المدينة من هجمات الصليبيين، ثم يعودون إلى شيخهم في زاويته حيث كان يبث فيهم روح الفداء والشهادة، ويمنحهم مواجد العرفان والشوق للقاء الله والجنة.
وكان الشيخ يعلمهم في الرباط المبارزة وفنون القتال حتى لقب الشيخ بإمام السالكين و شيخ المجاهدين و حتى الآن يردد أهل الشام في ارجوزاتهم “شيخ رسلان يا شيخ رسلان, يا حامي البر والشام”.
وممن روى كراماته وعجائبه العماد الأصفهاني في كتابه شذرات الذهب, أما الشيخ عبد الوهاب الشعراني صاحب الطبقات الكبرى فقد ذكر من عجائبه أنه كان إذا استمع إلى إنشاد في مجلس من المجالس, يثب في الهواء ويحوم فيه, وأنه إذا جلس إلى شجرة يابسة اخضرت وأثمرت، وتقول العامة إن طيوراً خضراً لا تبارح قبره منذ دفن فيه.
ظلّ الشيخ يرشد ويربي ويناضل ويجاهد حتى وافاه الأجل عام 1146 ميلادية ودفن بتربته المعروفة بتربة الشيخ ارسلان بدمشق.
بعض أقوال الشيخ أرسلان الدمشقي
· كلك شرك خفي، ولا يبن لك توحيدك إلّا إذا خرجت عنك. فكلّما أخلصت يكشف لك أنّه هو لا أنت فتستغفر منك. وكلّما وجدت بأن لك الشرك فتجدد له في كلّ ساعةٍ ووقتٍ توحيداً وإيماناً.
· كلّما خرجت عنهم زاد إيمانك، وكلّما خرجت عنك قوي يقينك.
· يا أسير الشهوات والعبادات، يا أسير المقامات والمكاشفات، أنت مغرور، أنت مشتغل بك عنه، أين الاشتغال به عنك، وهو عزّ وجلّ حاضرٌ ناظرٌ وهو معكم أينما كنتم في الدنيا وفي الآخرة.
· إذا زاد إيمانك نُقلت من حالٍ إلى حالٍ، وإذا زاد يقينك نُقلت من مقامٍ إلى مقامٍ.
· الشريعة جُعلت لك لتطلب من به تعالى لك. والحقيقة له حتى تطلبها به له عزّ وجلّ حيث لا حين ولا أين. فالشريعة حدودٌ وجهاتٌ، والحقيقة لا حدود ولا جهات. القائم بالشريعة فقط تفضّل عليه بالمجاهدة، والقائم بالحقيقة تفضّل عليه بالمِنّة، وشتّان ما بين المجاهدة والمِنّة. القائم مع المجاهدة موجود، والقائم مع المنّة مفقود.
· الأعمال متعلّقة بالشرع الشريف، والتوكّل متعلّقٌ بالإيمان، والتوحيد متعلّقٌ بالكشف الصحيح.
· الناس تائهون عن الحقّ بالعقل، وتائهون عن الآخرة بالهوى. فمتى طلبت الحقّ بالعقل فقد ضللت، ومتى طلبت الآخرة بالهوى فقد ضللت.
· المؤمن ينظر بنور الله، والعارف ينظر به إليه.
· ما دمت أنت معك أمرناك، فإذا فنيت عنك تولّيناك، وما تولّاهم إلّا بعد فنائهم.
· ما دمت أنت، فأنت مريد. فإذا أفناك عنك فأنت مراد.
· اليقين الأدوم في غيبتك عنك ووجودك به.
· فكم بين ما يكون بأمره وبين ما يكون به. إن كنت قائماً بأمره خضعت لك الأسباب، وان كنت قائما به تضعضعت لك الأكوان.
· أول المقامات الصبر على مراده، وأوسطها الرضا بمراده، وآخرها أن تكون بمراده.
· العلم طريق العمل، والعمل طريق العلم، العلم طريق المعرفة، والمعرفة طريق الكشف، والكشف طريق الفناء.
· ما صلحت لنا وفيك بقيّةٌ لسوانا. فإذا حولت السوى أفنيناك عنك فصلحت لنا فودعناك سرّنا.
· إذا لم يبق عليك حركة لنفسك كمل يقينك، وإذا لم يبق لك وجود عندك كمل توحيدك.
· أهل الباطن مع اليقين وأهل الظاهر مع الإيمان، فمتى تحرّك قلب صاحب اليقين نقص يقينه ومتى لم يخطر له خاطرٌ كمل يقينه، ومتى تحرّك قلب صاحب الإيمان بغير الأمر نقص إيمانه، ومتى تحرّك بالأمر كمل إيمانه.
· معصية أهل اليقين كفر، ومعصية أهل الإيمان نقص.
· المتّقي مجتهد، والمحبّ متّكل، والعارف ساكن، والموجود مفقود.
· لا سكون لملتقي، ولا عزم لمحبٍّ، ولا حركة لعارف، ولا وجود لمفقود.
· ما تحصل المحبة إلّا بعد اليقين.
· المحبّ الصادق قد خلا قلبه مما سواه، وما دام عليه بقيةُ محبّةِ سواه فهو ناقص المحبة.
· من تلذّذ بالبلاء فهو موجود، ومن تلذّذ بالنعمة فهو موجود. فإذا أفناهم عنهم ذهب التلذذ بالبلاء والنعمة.
· المحب أنفاسه حكمة، والمحبوب أنفاسه قدرة.
· العبادات للمعاوضات والمحبة للقربات. “أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”
· لما أرادوني لي أعطيتهم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت.
· إذا أفناك عن هواك بالحكمة وعن إرادتك بالعلم صرت عبداً صرفاً لا هوى لك ولا إرادة. فحينئذ يكشف لك عن نفسك فتضمحل العبودية في الوحدانية، فيفنى العبد ويبقى الرب.
· الشريعة كلها قبض، والعلم كله بسط، والمعرفة كلها دلال.
· طريقتنا كلها محبة لا عمل، وفناء لا بقاء.
· إذا دخلت في العمل كنت لك، وإذا دخلت في المحبة كنت له.
· العابد رآه لعبادته، والمحب رآه لمحبته.
· إذا عرفته كانت أنفاسك به وحركاتك له، وإذا جهلته كانت حركاتك لك.
· العابد ما له سكون، والزاهد ما له رغبة، والعارف ما له حول ولا قوة ولا اختيار ولا إرادة ولا حركة ولا سكون.
· الموجود ما له وجود.
· إذا استأنست به استوحشت منك.
· من اشتغل بنا له أعميناه، ومن أشتغل بنا لنا بصّرناه.
· إذا زال هواك يكشف لك عن باب الحقيقة فتفنى إرادتك، فيُكشف لك عن الوحدانية فتحققت به أنّه بلا أنت معه.
· إذا سلّمت إليه قربك، وإذا نازعته أبعدك.
· إن تقرّبت إليه قرّبك، وان تقرّبت إليه بك أبعدك.
· إن طلبته له وكّلك، وان طلبته لك كلفك.
· قربك خروجك عنك، وبعدك وقوفك معك.
· اذا جئت بلا أنت قبلك، وان جئت بك حجبك.
· العامل لا يكاد يُخلص من رؤية عمله، فكن من قبيل المنّة ولا تكن من قبيل العمل.
· إن عرفته سكنت وإن جهلته تحركت، فالمراد أن يكون ولا تكون.
· العوام أعمالهم متّهمات، والخواص أعمالهم قربات، وخواص الخواص أعمالهم درجات.
· كلما اجتنبت هواك قوي ايمانك، وكلما اجتنبت ذاتك قوي توحيدك.
· الخلق حجاب، وأنت حجاب، والحق ليس بمحجوب ومحتجب عنك بك، وأنت محجوب عنك بهم، فانفصل عنك تشهده.
وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
مأخوذ من كتاب:
خمرة الحان ورنة الألحان في شرح رسالة الشيخ أرسلان (شرح سيدي عبد الغني النابلسي)، دار النشر: مكتبة القاهرة الطبعة الثانية – 1970 صفحات (108-109-110-111).
اترك تعليقاً