إنّ الوِرد هو ما اعتاده الإنسان من صلاةٍ أو ذكرٍ أو تلاوةٍ للقرآن، وغالب عالمنا الإسلاميّ سواءً في زماننا هذا أو في الزمن السابق له وِردٌ سواءً كان ببيعةٍ أو بغير بيعة. وورد الطريقة الشاذلية يأتي من القرآن والسنّة النبويّة المطهّرة، فما هو إلّا استغفارٌ وصلاةٌ وتسليمٌ على سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتوحيدٌ لله وتنزيهه عن كل موجودٍ وشريك.
إنّ الجهلة يقولون أنّ الصّوفيّة قد ابْتَدَعوا الأوراد لِمُريديهم الّتي لم تكن على عهد سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لكن من نظر في حقيقة أورادهم وجدها واردة في الأوراد المأثورة التي صحّت في أحاديث سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغالب أوراد القوم مأخوذة منها، وربّما يكون في الأحزاب والأوراد بعض الأدعية التي لم تُؤْثَر عن سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والجواب عن ذلك هو النّظر في أصل البدعة وهل الارتجال في الدّعاء ممنوع؟ وهل يجوز وصفه بالبدعة؟ فإذا كانت البدعة ضلالة بنصّ الحديث فمن ذا الذي يتجرّأ ويقول أنّ الدّعاء بغير ما دعا به سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضلال؟ ألم يرتجل الصحابيّ -رضي الله عنه- بنصِّ الحديث بعد الرّكوع ويقول: (الحمدُ للّه حمداً كثيراً طيّباً مُباركاً مِلءَ السّموات والأرض ومِلءَ ما شئت من شيءٍ بعد) فأقرّه سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك.
كما أنّ جميع الأحزاب والأوراد قالها رجالٌ عُرِفُوا بالصّلاح -والقسم الغالب منها مأثور- وإن وُجد فيها ما هو غير مأثورٍ فلا بأس بوجوده أصلاً للدّليل فإذا جاز لللإنسان شخصيّاً أن يرتجل في الدعاء جاز لغيره أن يُردّد ما ارتجل.
وأمّا عن فائدة الأوراد فإذا كانت الأوراد ذكراً للَّه تعالى فنقول: لقد حفلت كتب الأذكار بفوائد نصّت عليها الأحاديث النبويّة الشريفة لكل ذِكْرٍ من الأذكار وكتاب الأذكار للإمام النّوويّ معروفٌ لدى الجميع.
وأما أن تحصر فائدة الذّكر والوِرد في تنوير القلب فهذه فائدة واحدة فقط من فوائد الذّكر الكثيرة، وتنوير القلب هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنّ القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ألا وجلاؤها ذكر الله” وهو معنى قول الله عز وجل: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
فللذكر فوائد عديدة لا يمكن حصرها، وما ذكر الفوائد إلّا ترغيباً للغافل بالذَكر، وتنشيطاً للذّاكر بزيادة وِرده والخشوع فيه واستحضار المذكور واستشعار عظمته.
للتعرف على فوائد الذّكر يمكنك مراجعة المقال: أنواع الذّكر وفوائده.
تُقسم أوراد الطريقة الشاذلية إلى وردٍ عام وخاصّ، بالإضافة إلى بعض الأحزاب والأدعية المأثورة عن سيّدنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وعن رجال الطّريقة الشّاذليّة رضي اللّه عنهم.
ورد الطريقة الشاذلية الدرقاوية العام
ورد الطريقة الشاذلية العام هو ما يعطيه الشيخ إلى عوامّ المُريدين الرّاغبين في سلوك طريق الحقّ، وفيه تحدث البيعة بين الأستاذ أو الشّيخ وبين التّلميذ أو المُريد، والبيعة هي معاهدة بين الشّيخ والمريد ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ حيث يُعاهد المريد الشّيخ بالالتزام بالأوراد ومجالس وحلق الذّكر التي يقيمها الشّيخ وأن يتمسّك بأصول الطّريقة (يمكنك مراجعة مقال أصول الطّريقة الصوفيّة للاستزادة في هذا الموضوع)، ويتعهّد الشّيخ بتسليك المُريد وتربيته وترقيته حتى ينال المعرفة الكاملة ورضا الله سبحانه وتعالى (وهذا في حال التزم المُريد بالشّروط السابقة) وبالطبع لكل قاعدة شواذّ، فقد يأتي المريد فيصبح عارفاً بالله وينال المعرفة لحظة وصوله ولقائه مع الأستاذ أو الشّيخ وذلك لكمال صدقه وجاهزيته للتّخلي عن نَفْسِه وحظوظها والفناء عنها وعن أوصافها.
حال المريد عندما يرغب في قراءة الورد
يُستحبُّ أن يكون المُريد على طهارةٍ من الحدث الأكبر والأصغر، وأن يكون مُستقبلاً القِبلة، جامعاً قلبه على مولاه، وأن يستحضر ذنوبه عند الاستغفار، وينكسر لله ويرمي نفسه في أرض العبودية والذّل للّه، ففي الحديث عندما سأل سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام ربّ العزّة: “يا ربّ أين أجدك؟” فأجابه الربّ عزَّ وجلّ: “أَنا عِنْدَ المُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُم مِنْ أَجْلي”.
كما يُستحبُّ من المُريد استشعار وجود سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند الصّلاة والسّلام عليه، والجلوس كأنّه في حضرته عليه الصّلاة والسّلام كما كان يجلس الصّحابة رضوان الله عليهم، ويستحضر جمال وجهه الشّريف صلّى اللّه عليه وسلّم.
وعند ذكر “لا إله إلّا اللّه” يُستحبُّ استحضار عظمة الله وجبروته، وأنّه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وأنّه لا واجب وجودٍ معه سبحانه وتعالى، وأن ينفي الحوادث والأفلاك والأجسام والأكوان ويبقى مع المكون.
ويُستحبُّ قراءة سورة الفاتحة لرجال الطريقة الشّاذليّة الدّرقاويّة ولشيخه قبل البدء بقراءة الورد.
وكلّ هذا من باب الاستحباب وكمال الأدب، فإن كان الوقت لا يسمح بكل ما ذُكِر، فلا بأس على المريد من قراءة الورد على غير الحالة السّابقة، فتركه للورد أخطر وأعظم من قراءته على غير الصفات المُستحبة، ويبقى المعيار هو الحضور مع المذكور، بدون تفريطٍ بالآداب أو تساهل فيها.
ثمّ يبدأ المريد فيقول:
أعوذ بـالله من الشيــطان الــرجيـــم (مرة واحدة)
بـســـم الله الـــرحـمن الـــرحيــــــــــــم (ثلاث مرات)
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (مرة واحدة)
أســــــتغفر الــلــــه (تسعٌ وتسعون 99 مرة)
في تمام الـمـائة يقول:
اسـتـغـفـر الله الـعـظـيــم الذي لا إلـــه إلا هـو الحي القـيـوم و أتـوب إلـيـــــه (مرة واحدة)
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (مرة واحدة)
اللّـهـــمّ صـــلِّ على سيدنا مُــحــمّـــد عــــبـــــدك ورســــــولك الــنّـــبـــيّ الأمّــيّ وعـلـى آلـــه وصـحــبـه وســـلّـم (تسعٌ وتسعون 99 مرة)
في تمام المـائة يقول:
اللـهـم صـلّ علـى سيّدنا مـحـمّـد عـبـدك ورسـولك الـنّـبـيّ الأمّـيّ وعلى آلــه وصـحـبـه وسلّم تسلـيـمــاً بِـقــدْر عـظـمــة ذاتـك في كـلّ وقـتٍ وحـيــن(مرة واحدة)
{فـَـاعْــلـَـمْ أنـــهُ لا إِلــَـهَ إلا الــلـهُ} (مرة واحدة)
لا إله إلّا اللّه وحــــده لا شــــريـــك لـــه، لـــه الــمـلــك ولـــــه الــحـمد وهــو عــلـــى كـــلّ شــــــيءٍ قــــديــر(تسعٌ وتسعون 99 مرة)
في تمام المـائـة يقول:
لا إله إلا الله سيّدنا محمّد رسول اللّه صلّى الله عليه وعلى آلـه وصحبه وسلّــم(مرة واحدة)
ثم يقرأ:
سورة الإخــــــــــلاص (ثلاث مرات)
الـــفـاتــــــحـــــة (مرة واحدة)
ثم يــدعوا الله لـنفسـه ولأبويــه ولأشــيــاخـه ولكافة المؤمنــــين والمؤمـــــــنات والمسلمين والمسلمات.
تنبيه: لا يجني المريد فائدة الورد وثماره بدون شيخٍ يعطيه إياه، وحتى إن قرأ المريد الورد وحده بدون أستاذ أو شيخٍ فإنّه لا يجد الفائدة الّتي يرجوها (إن كان الّذي يرجوه هو السّلوك والتّعرف على اللّه) وبالإضافة إلى ذلك، فإنّه قلّ من ثبت على وردٍ ما بدون سلوكه مع شيخٍ وحضوره مجالس الذّكر مع الجماعة، فإن الذئب يأكل من الغنم الشاة القاصية، فالشّيخ هو من يعطي المريد الهمّة على الورد، بالإضافة للمذاكر وحضور حِلق الذّكر، كلّها أسبابٌ تُعين المُريد على الالتزام، فعليك أخي طالب الحقّ بالالتزام مع شيخٍ مُرشدٍ عارفٍ باللّه والطّريق يُرشدك إلى خير دنياك وآخرتك، والحمد لله رب العالمين.
اترك تعليقاً