التسلسل
مقام الخوف
- طباعة
- 12 Feb 2010
- مواضيع مختارة
- 4491 القراءات
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى :( إعلم أن حقيقة الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، وقد يكون ذلك من جريان ذنوب، وقد يكون الخوف من الله تعالى بمعرفة صفاته التي توجب الخوف لامحالة، وهذا أكمل وأتم. لأن من عرف الله خافه بالضرورة. ولهذا قال الله تعالى :{ إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ} فاطر :28 ) الأربعين في أصول الدين 169.
وقد دعا الله تعالى عباده إلى الخوف منه وحده فقال :{ وإياي فارهبون} البقرة 40.
ومدح المؤمنين ووصفهم بالخوف فقال :{ يخافونَ ربهم من فوقهم} النحل 50.
وجعل الله الخوف من شروط كمال الإيمان فقال :{وخافونِ إن كنتم مؤمنين} آل عمران 175
قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في قواعده :( من بواعث العمل وجود الخشية وهي تعظيم يصحبه مهابة . والخوف هو انزعاج القلب من انتقام الرب) قواعد التصوف 74.
والخوف يتمثل في نشيج من يقدر خطورة العواقب فيقف عند الواجب، ولايعرض نفسه لزيغ ولا إثم، بل ولا يقف في مواطن توشك أن توقعه في الشر والفساد. ثم يترقى الصوفي في الخوف فيتحلى بأشرف مايتحلى به المقربون. وعندئذ تنتقل مظاهر الخوف من عالم الجسم إلى عالم الروح، فتكون للعارف أشجان لايدركها إلا أهل الصفاء.
وفي هذا المقام يصف سيدي عبد الوهاب العراني رضي الله عنه السيدة رابة العدوية رحمها الله بأنها كانت كثيرة البكا والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانا، وكان موضع سجودها كهيئة الحوض الصغير من دموعها ، وكأن النار ماخلقت إلا لأجلها. وسر ذلك الخوف إنما هو الاعتقاد بأن كل بلاء دون النار يسير، وأن كل خطب دون البعد عن الله هو هين.
ويرى الصوفية أن المحب لايسقى كأس المحبة إلا بعد أن ينضح الخوف من قلبه. ومن لم يكن له مثل تقواه لم يدر مالذي أبكاه ، ومن لم يشاهد جمال يوسف لم يدر مالذي آلم يعقوب.
وليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه ، وإنما الخائف من يترك مايخاف أن يعذب عليه.
قال أبو سلمان الداراني رحمه الله تعالى :( مافارق الخوف قلبا إلا خرب) الرسالة القشيرية 60
وليس الخائفون بمرتبة واحدة بل هم على مراتب مختلفة وقد صنف ابن عجيبة رحمه الله تعالى مراتبهم إلى ثلاث مراتب فقال : (خوف العامة من العقاب وفوات الثواب ، وخوف الخاصة من العتاب وفوات الاقتراب ، وخوف خاصة الخاصة من الاحتجاب بعروض سوء الأدب) معراج التشوف إلى حقائق التصوف 6