التسلسل
بين الحقيقة والشريعة
- طباعة
- 18 Mar 2010
- مواضيع مختارة
- 6321 القراءات
لقد ورد في حديث جبريل المشهور الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقسيم الدين إلى ثلاثة أركان، بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر :"هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" "أخرجه مسلم والإمام احمد
1- فركن الإسلام : هو الجانب العملي؛ من عبادات ومعاملات وأمور تعبدية، ومحله العضاء الظاهرة الجسمانية. وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة، واختص بدراسته السادة الفقهاء.
2- وركن الإيمان: وهو الجانب الاعتقادي القلبي؛ من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر... وقد اختص بدراسته علماء التوحيد.
3- وركن الإحسان: وهو الجانب الروحي القلبي؛ وهو ان تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وماينتج عن ذلك من احوال وأذواق وجدانية ومقامات عرافانية وعلوم وهبية، وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة، واختص ببحثه السادة الصوفية.
ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة نضرب لذلك مثلاً الصلاة، فالإتيان بحركاتها وأعمالها الظاهرة والتزام أركانها وشروطها وغير ذلك مما ذكره علماء الفقه يمثل جانب الشريعة، وهو جسد الصلاة.
وحضور القلب مع الله تعالى في الصلاة يمثل جانب الحقيقة، وهو روح الصلاة.
فأعمال الصلاة البدنية هي جسدها والخشوع روحها. ومافائدة الجسد بلا روح؟! وكما أن الروح تحتاج إلى جسد تقوم فيه، فكذلك الجسد يحتاج إلى روح يقوم بها، ولهذا قال الله تعالى ( وأقيموا الصلاة وءاتو الزكاة) البقرة110. ولاتكون الإقامة إلا بجسد وروح، ولذلك لم يقل . أوجدوا الصلاة.
ومن هذا ندرك التلازم الوثيق بين الشريعة والحقيقة كتلازم الروح والجسد. والمؤمن الكامل هو الذي يجمع بين الشريعة والحقيقة، وهذا هو توجيه الصوفية للناس، مقتفين بذلك آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
وللوصول إلى هذا المقام الرفيع، والإيمان الكامل، لابد من سلوك الطريقة، وهي مجاهدة النفس، وتصعيد صفاتها الناقصة إلى صفات كاملة، والترقي في مقامات الكمال بصحبة المرشدين، فهي الجسر الموصل من الشريعة إلى الحقيقة.
قال السيد رحمه الله تعالى في تعريفاته:"الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى، من قطع المنازل والنرقي في المقامات"أنظر تعريفات السيد ص94
فالشريعة هي الأساس، والطريقة هي الوسيلة، والحقيقة هي الثمرة. وهذه الأشياء الثلاثة متكاملة منسجمة، فمن تمسك بالأولى منها سلك الثانية فوصل إلى الثالثة، وليس بينها تعارض ولاتناقض. ولذلك يقول الصوفية في قواعدهم المشهورة."كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة". وكيف تخالف الشريعة وهي إنما نتجت من تطبيقها.
يقول إمام الصوفية أحمد زروق رحمه الله تعالى:"لاتصوف إلا بفقه إذ لاتعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه. ولافقه إلا بتصوف، إذ لاعمل إلا بصدق وتوجه لله تعالى. ولاهما [التصوف والفقه] إلا بإيمان إذ لايصح واحد منهما دونه. فلزم الجميع لتلازمها في الحكم، كتلازم الأجسام للأرواح ولاوجود لها إلا فيها، كما لاحياة لهاإلا بها، فافهم". أنظر "قواعد التصوف" للشيخ أحمد زروق قاعدة3.ص3
ويقول الإمام مالك رحمه الله تعالى:"من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق" انظر "شرح عين العلم وزين الحلم"للإمام ملا علي القاريج1.ص33
تزندق الأول لأنه نظر إلى الحقيقة مجردة عن الشريعة، فقال بالجبر وان الإنسان لاخيار له في أمر من الأمور فهو يتمثل قول القائل.
ألقـاه في اليــم مكتوفا وقال لـــه...............إيــــــاك إيــــــاك أن تبتل بالماء
فعطل بذلك احكام الشريعة والعمل بها، وأبطل حكمتها والنظر إليها.
وتفسق الثاني لأنه لم يدخل قلبه نور التقوى، وسر الإخلاص وواعظ المراقبة وطريقة المحاسبة حتى يحجب عن المعصية ويتمسك بأهداب السنة.