السلف والوهابية وموضوع صفات الله عز وجل

ما هو الفارق بين معتقد السلف وبين معتقد الوهابية في آيات الصفات وأخبارها، كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}؟

الجواب:

بِسم اللَّه الرّحمَن الرّحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد: إنّ الوهابية تعتقد أن معنى هذه الصفات ما يُفهم من ظاهر لفظها، أي: ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاقها وفق اللغة، فاليد في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، معناها ما يتبادر إلى الذهن من ظاهرها وفق المعروف عند العرب، ثم إنهم يفوضون كيفية هذه اليد المعروف معناها، قال أحدهم وهو عبدالعزيز العتيبي في كتابه (الحق والثبات في الأسماء والصفات: ص١٢-١٣) بعد أن قال [يجب إثبات أدلة الأسماء والصفات على ظاهرها]: “ونعني بالظاهر: أنه المتبادر من معنى الكلام إلى الذهن عند الإطلاق، فلا بد من إثبات اللفظ وإثبات معناه الذي دل عليه، ثم تفويض علم الكيفية إلى الله سبحانه” انتهى كلامه.

وإليك مثال تطبيقي لهذا التأصيل من أحد أعيانهم، قال ابن عثيمين في كتابه (شرح العقيدة السفارينية: ٢٢٨/١): “استوى على العرش في جميع مواقعها في اللغة العربية لا تقتضي إلا العلو والاستقرار، فمن أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بأن الله تعالى استوى على عرشه، أي علا عليه واستقر عليه علوّاً واستقرارا يليق بجلاله عز وجل، لا يماثل استواء الإنسان على البعير” ثمّ قال: “إنّنا نعلم أنّ اللّه استوى على العرش على كيفية يعلمها ونحن لا نعلمها” انتهى كلامه.

قلتُ: تأمَّل كيف فسّر معنى [على العرش استوى] وفق المتبادر إلى الذهن من الاستواء على العرش في اللغة، وهو الاستقرار، ثم صرَّح بأنه استقرار لا يماثل الاستقرار على البعير، ثمّ بين أننا لا نعرف كيفية هذا الاستقرار، وهذا منه تفويض للكيفية لا للمعنى.

أيها القارئ الكريم إنْ أنتَ فهمتَ كلام عبدالعزيز العتيبي ثمّ فهمت المثال التطبيقي العملي له من كلام ابن عثيمين، فلننقل كلام الإمام النووي رضي الله عنه -المجمع على إمامته وتبحّره وشدّة تتبعه للمعلومة- الذي بيَّنَ فيه عقيدة السلف رضوان الله عليهم في هذه القضية، لنعقد مقارنة بين كلامه وبين كلام الوهابية بيانًا للفارق بين عقيدة السلف وعقيدتهم.

قال الإمام النّوويّ رحمه الله في كتابه (المجموع: ٢٥/١) -وأرجو منكَ أن تقرأ الآن بتمعنٍ شديدٍ-: “يُمسك عن الكلام في معناها -أي آيات الصفات- ويُوكل علمها إلى الله تعالى، ويُعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحادث عنه، فيُقال مثلًا: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به، مع أنَّا نعتقد أن الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وأنه منزّهٌ عن الحلول وسمات الحدوث -أي سمات المخلوق-، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم”.

تأمَّل كيف أن الإمام النووي رضي الله عنه يُبيِّن لنا أن جماهير السلف يُمسكون -أي يتوقفون- عن الكلام في معنى هذه الصفات ويوكلون علمها إلى الله تعالى، وهذا تفويض لمعنى الصفة خلاف ما عليه الوهابية حيث فسروها وفق المتبادر إلى الذهن من اللغة! ثم تأمل في المثال التطبيقي الذي ساقه قائلًا: “يُقال مثلًا: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به”، خَبِّرني بربك ألا يُخالف هذا التقرير تقرير ابن عثيمين القائل كما سبقَ ورأيتَ: “الله تعالى استوى على عرشه، أي علا عليه واستقر عليه” مخالفة لا تُنكر؟!

السلف يقرّرون أنّهم لا يعلمون حقيقة معنى [استوى] والمراد به، نعم له معنىً نثبته ونؤمن به، لكن ما المراد به لا نعلم، الله يعلمه، بينما الوهابية يقولون معناه والمراد به الاستقرار!! إنها مخالفة بيِّنة للسلف ولا شك، [إذًا السلف يتوقفون عن الخوض في معنى الصفة، أما الوهابية فيخوضون ويفسرون]، ثم تأمل مزيد بيان النووي لمعتقد السلف رضي الله عنهم إذ قال: “نعتقد أن الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وأنه منزه عن الحلول وسمات الحدوث”، أليس هذا بيانا واضحا منه رضي اللّه عنه أنهم كانوا ينزهون الله عن سمات الحادث -أي المخلوق- كالاستقرار؟! بلى والله هو ذاك، لكنَّ الوهابية ضربوا بنهج السلف الحق عرض الحائط فقالوا: معنى الاستواء الاستقرار! والاستقرار ياسادة من سمات الحوادث أي المخلوقين، [إذًا السلف ينزهون الله تعالى عن صفات المخلوقين أما الوهابية فلا]. نسأل الله الثبات على عقيدة السلف الحقيقية.

وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّّم.

بقلم إبراهيم إبراهيم
الجمعة ١٤٤٦/٧/١٧

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في حال كان لديك أي سؤال عن التصوف والصوفية يمكنك التواصل معنا، نرحب بجميع الأسئلة من أي طرف كانت!